كتاب آثار استعمارية تشكّل الهوية الوطنية في الأردن

كيف لعبت المؤسستان الكولونياليتان القانونية والعسكرية دورًا قمعيًا وإنتاجيًا في تشكيل الهوية الأردنية والثقافة الوطنية ما بعد الكولونيالية؟ أو بعبارة أسهل: كيف صارت الأراضي التي سيطر عليه البريطانيون والأمير الهاشمي القادم من الحجاز عام 1921 أردنية؟ وكيف صار سكان تلك الأراضي أردنيون؟
هذا هو السؤال الذي يسعى جوزيف مسعد – أستاذ السياسة وتاريخ الفكر العربي في جامعة كولومبيا- للإجابة عليه في هذا الكتاب (الذي هو أطروحته للدكتوراه في الأصل).
وقبل الإشارة إلى فصول الكتاب، يجدر التنبيه للأهمية الخاصة التي تحملها دراسة تشكل الهوية الوطنية في الأردن تحديداً، فدراسة تشكل الهويات الوطنية في دول ما بعد الاستعمار يعد ضرورة معرفية لتفكيك الأساطير التي يكتظ بها خطاب الدولة الوطنية، يشرح مسعد تعقيد الحالة الأردنية وفرادتها بالقول:
"... وعلى الرغم من أن الأردن ليس فريدًا في العالم ما بعد الكولونيالي، فهو أيضًا ليس حالة شائعة. فقد رسم «أغراب» حدود الأردن وهويته وقادوا جيشه الوطني لفترة بعد الاستقلال، ويحكمه أناس تقع جذورهم في الذاكرة الحية خارج الحدود الجديدة للدولة، ولا يزالون يحكمونها [الهاشميون ينحدرون من الحجاز]. ويتكون أغلب سكانها من شعب «أصوله» الجغرافية في الذاكرة الحية تقع خارج حدود الدولة الوطنية (ولا يقتصر هذا على الأردنيين الفلسطينيين بل يشمل الأردنيين السوريين والأردنيين الحجازيين والأردنيين الشراكسة والأردنيين الأكراد والأردنيين الشيشان والأردنيين المصريين والأردنيين العراقيين والأردنيين اللبنانيين والأردنيين الأرمن). تعتمد الدولة اعتمادًا كبيرًا على الأموال الخارجية لدعم اقتصادها ضعيف الموارد، وهناك مزاعم ترددها دول قوية مجاورة تتحدى هويتها ذاتها (إسرائيل، المملكة السعودية، مصر الناصرية، وهذه أبرزها تاريخيًا) أو جزءًا منها (الضفة الغربية والأردنيين الفلسطينيين) أو من جانب حركة وطنية قوية (منظمة التحرير الفلسطينية تحديدًا). ففي سياق هذا الطيف الواسع من العوامل کانت مهمة الخطاب الوطني الأردني في ترسيخ حدود هذه الهوية الوطنية وثوابتها أصعب من مهمة غيره من الدول الوطنية في فترة ما بعد الاستعمار. فبالرغم من كون الهوية الوطنية الأردنية ليست «متخيلة» أو «مخترعة» أكثر من غيرها من الهويات الوطنية، إلا أن على المدافعين عنها من الإقصائيين المعاصرين خوض معركة أصعب من معارك نظرائهم في أي مكان في العالم. وهذه الخصيصة في الحالة الأردنية هي التي تجعلها أوضح تمثيلًا العمليات الوطنية التي يتم إخفاؤها في غيرها من الدول على نحوٍ أفضل، مما يسمح بکشف عملية الإخفاء هذه".
يدرس الكتاب في الفصلين الأولين دور القانون في إنتاج الهوية الوطنية والثقافة الوطنية من خلال تحليل قوانين الجنسية وقوانين الانتخاب والقوانين المدنية وتنظيم القانون نفسه إلى مجالات ثلاثة منفصلة: الأطر القانونية الأوروبية، والأطر القانونية الدينية، وقوانين العشائر البدوية. وفيما يخص "توطين/تدجين" أبناء العشائر البدوية كان من الوسائل والأساليب التي استخدمت التجنيد العسكري والتوظيف في الجيش، وهذا ساعد في جعل البدو يقومون بدور الشرطة على البدو أنفسهم، وإخضاعهم لقوانين الدولة الوطنية، كما ساعد في ربط البدو بالأرض من خلال التوطين في مناطق حضرية أو شبه حضرية كمعسكرات الجيش، كما تسببت القوانين والسياسات في تدمير الاقتصاد البدوي وجعلته يعتمد اعتمادًا كاملًا على الدولة. وقد تواصلت هذه العمليات التي يقصد منها توطين البدو والتي شملت أيضًا التعليم ووسائل الاتصال حتى مطلع الثمانينات.
ويحلل المؤلف في الفصلين الثالث والرابع كيفيات إنتاج الجيش للهوية الوطنية والثقافة الوطنية، ودور البريطانيين في إخضاع سكان ما عرف لاحقًا بـ"الأردن" لبنية الدولة الوطنية، عبر وسائل القمع والإنتاج، وتحويلهم لا إلى مواطنين ووطنيين مطيعين فحسب، بل إلى مدافعين عن النظام الجديد أيضًا. وأفاض الفصل الثالث تحديدًا في تحليل ممتاز لسياسات الاستعماري البريطاني جون باغون غلوب المعروف بـ "غلوب باشا" والذي كان قائد الجيش العربي (جيش شرق الأردن) في الفترة (1930-1939) ثم قائد الجيش نفسه حتى ترحيله عام 1956م. وهو القائد الذي أسس كثيرًا من التقاليد العسكرية وأثر بقوة وعمق في السياسات الداخلية للدولة الناشئة، من تعيين قيادات الجيش حتى تصميم الملابس العسكرية، فهو من أدخل اللباس المعروف بالشماغ أو الغترة الذي يحمل مربعات حمراء بحيث تحولت إلى رمز وطني عربي، وكان الناس في السابق لا يرتدون سوى أغطية الرأس البيضاء، وكذلك اللباس المقزز الهجين من البدلة العسكرية مع الغترة والشارة المعدنية على عقال الرأس.
ويقدم الفصل الرابع عرضًا مطولًا للتاريخ السياسي داخل المؤسسة العسكرية والسياسات بين المؤسسة العسكرية والنظام. أما الفصل الخامس فيناقش الجوانب القانونية والعسكرية والسياسية للعلاقة بين الأردنيين الفلسطينيين والشرق أردنيين، وأثرها على الهوية الوطنية والثقافة الوطنية الأردنية. بما يكشف استراتيجيات الدولة الكولونيالية وما بعد الكولونيالية لتنظيم الهوية الوطنية عن طريق تعریف ذاتها والآخر المقابل لها. وفي الفصل الأخير يدرس المؤلف الخطاب الوطني في الأردن، وأساطيره التاريخية، لا سيما اتجاهاته الملتبسة والإقصائية أو العنصرية ضد الفلسطينيين وغيرهم، وتاريخ العلاقة مع القضية الفلسطينية والنشاط الفدائي الفلسطيني وصراعاته الهوياتية مع النظام الأردني وانعكاسات ذلك على الهوية الأردنية نفسها.
يلخص المؤلف أطروحة الكتاب، ويقول:
"أعاد الاستعمار البريطاني والأمير الهاشمي عبد الله تنظيم شرق الأردن، وهي منطقة اقتطعت من الدولة العثمانية، على مستوى الأرض والسكان، ودفعا بها نحو عصر جديد، هو عصر الدولة الوطنية. ولضمان استمرار هذا النظام الجديد وبقائه، فقد أبدعت العديد من الاستراتيجيات التي أدت إلى فرض هوية جديدة سميت (وطنية) على سكان ينتمون إلى طائفة متنوعة من الهويات. بدأت الهوية الجديدة على هيئة ابتکار قانون، ومن خلال عدد من الاستراتيجيات القانونية والعسكرية، تم تعميم هذه الهوية ما أدى إلى فرض التنميط المعياري والوحدة على سكان متباينين. حتى أن ما بات يمثّل الثقافة الوطنية الأردنية، وهي مجموعة من الممارسات وصفت بأنها "تقليدية" و"وطنية"، كان من منتجات مؤسستي القانون والجيش والتي قمعتا ودمرتا ممارسات ثقافية قائمة واستحدثتا عمليات جديدة أنتجت بدورها ممارسات وهويات ثقافية جديدة. وما لبثت هذه الهوية الوطنية والثقافة الوطنية الجديدتان، أن عُممتا لیس بوصفها منتجات جديدة وهو ما كانتا عليه بالفعل، بل بوصفها مظاهر لجوهر عریق موجود منذ الأزل. فالوطنية الشعبية الأردنية، كنظيراتها ما بعد الكولونيالية في بقية أنحاء آسيا وإفريقيا، أخذت تستدخل الهوية الجديدة و ثقافتها دون الإشارة إلى أصولها القانونية والعسكرية الحديثة. والواقع أن الوطنية الأردنية اليوم لا تقوم على إنكار هذه الأصول التاريخية فحسب، بل تطرح تاريخًا "وطنيًا" يزعم أن الهوية الأردنية كانت موجودة دائما في ثناياه".
يقع الكتاب في 460 صفحة تقريبًا، وقد ترجمه المترجم القدير شكري مجاهد ترجمة ممتازة، وصدر مؤخرًا في جمادى الأولى 1440هـ عن مدارات للأبحاث والنشر.
هذه ليست مراجعة للكتاب بل تلميحات عابرة اعتمدت فيها كثيرًا على تعبيرات المؤلف نفسه
هذا هو السؤال الذي يسعى جوزيف مسعد – أستاذ السياسة وتاريخ الفكر العربي في جامعة كولومبيا- للإجابة عليه في هذا الكتاب (الذي هو أطروحته للدكتوراه في الأصل).
وقبل الإشارة إلى فصول الكتاب، يجدر التنبيه للأهمية الخاصة التي تحملها دراسة تشكل الهوية الوطنية في الأردن تحديداً، فدراسة تشكل الهويات الوطنية في دول ما بعد الاستعمار يعد ضرورة معرفية لتفكيك الأساطير التي يكتظ بها خطاب الدولة الوطنية، يشرح مسعد تعقيد الحالة الأردنية وفرادتها بالقول:
"... وعلى الرغم من أن الأردن ليس فريدًا في العالم ما بعد الكولونيالي، فهو أيضًا ليس حالة شائعة. فقد رسم «أغراب» حدود الأردن وهويته وقادوا جيشه الوطني لفترة بعد الاستقلال، ويحكمه أناس تقع جذورهم في الذاكرة الحية خارج الحدود الجديدة للدولة، ولا يزالون يحكمونها [الهاشميون ينحدرون من الحجاز]. ويتكون أغلب سكانها من شعب «أصوله» الجغرافية في الذاكرة الحية تقع خارج حدود الدولة الوطنية (ولا يقتصر هذا على الأردنيين الفلسطينيين بل يشمل الأردنيين السوريين والأردنيين الحجازيين والأردنيين الشراكسة والأردنيين الأكراد والأردنيين الشيشان والأردنيين المصريين والأردنيين العراقيين والأردنيين اللبنانيين والأردنيين الأرمن). تعتمد الدولة اعتمادًا كبيرًا على الأموال الخارجية لدعم اقتصادها ضعيف الموارد، وهناك مزاعم ترددها دول قوية مجاورة تتحدى هويتها ذاتها (إسرائيل، المملكة السعودية، مصر الناصرية، وهذه أبرزها تاريخيًا) أو جزءًا منها (الضفة الغربية والأردنيين الفلسطينيين) أو من جانب حركة وطنية قوية (منظمة التحرير الفلسطينية تحديدًا). ففي سياق هذا الطيف الواسع من العوامل کانت مهمة الخطاب الوطني الأردني في ترسيخ حدود هذه الهوية الوطنية وثوابتها أصعب من مهمة غيره من الدول الوطنية في فترة ما بعد الاستعمار. فبالرغم من كون الهوية الوطنية الأردنية ليست «متخيلة» أو «مخترعة» أكثر من غيرها من الهويات الوطنية، إلا أن على المدافعين عنها من الإقصائيين المعاصرين خوض معركة أصعب من معارك نظرائهم في أي مكان في العالم. وهذه الخصيصة في الحالة الأردنية هي التي تجعلها أوضح تمثيلًا العمليات الوطنية التي يتم إخفاؤها في غيرها من الدول على نحوٍ أفضل، مما يسمح بکشف عملية الإخفاء هذه".
يدرس الكتاب في الفصلين الأولين دور القانون في إنتاج الهوية الوطنية والثقافة الوطنية من خلال تحليل قوانين الجنسية وقوانين الانتخاب والقوانين المدنية وتنظيم القانون نفسه إلى مجالات ثلاثة منفصلة: الأطر القانونية الأوروبية، والأطر القانونية الدينية، وقوانين العشائر البدوية. وفيما يخص "توطين/تدجين" أبناء العشائر البدوية كان من الوسائل والأساليب التي استخدمت التجنيد العسكري والتوظيف في الجيش، وهذا ساعد في جعل البدو يقومون بدور الشرطة على البدو أنفسهم، وإخضاعهم لقوانين الدولة الوطنية، كما ساعد في ربط البدو بالأرض من خلال التوطين في مناطق حضرية أو شبه حضرية كمعسكرات الجيش، كما تسببت القوانين والسياسات في تدمير الاقتصاد البدوي وجعلته يعتمد اعتمادًا كاملًا على الدولة. وقد تواصلت هذه العمليات التي يقصد منها توطين البدو والتي شملت أيضًا التعليم ووسائل الاتصال حتى مطلع الثمانينات.
ويحلل المؤلف في الفصلين الثالث والرابع كيفيات إنتاج الجيش للهوية الوطنية والثقافة الوطنية، ودور البريطانيين في إخضاع سكان ما عرف لاحقًا بـ"الأردن" لبنية الدولة الوطنية، عبر وسائل القمع والإنتاج، وتحويلهم لا إلى مواطنين ووطنيين مطيعين فحسب، بل إلى مدافعين عن النظام الجديد أيضًا. وأفاض الفصل الثالث تحديدًا في تحليل ممتاز لسياسات الاستعماري البريطاني جون باغون غلوب المعروف بـ "غلوب باشا" والذي كان قائد الجيش العربي (جيش شرق الأردن) في الفترة (1930-1939) ثم قائد الجيش نفسه حتى ترحيله عام 1956م. وهو القائد الذي أسس كثيرًا من التقاليد العسكرية وأثر بقوة وعمق في السياسات الداخلية للدولة الناشئة، من تعيين قيادات الجيش حتى تصميم الملابس العسكرية، فهو من أدخل اللباس المعروف بالشماغ أو الغترة الذي يحمل مربعات حمراء بحيث تحولت إلى رمز وطني عربي، وكان الناس في السابق لا يرتدون سوى أغطية الرأس البيضاء، وكذلك اللباس المقزز الهجين من البدلة العسكرية مع الغترة والشارة المعدنية على عقال الرأس.
ويقدم الفصل الرابع عرضًا مطولًا للتاريخ السياسي داخل المؤسسة العسكرية والسياسات بين المؤسسة العسكرية والنظام. أما الفصل الخامس فيناقش الجوانب القانونية والعسكرية والسياسية للعلاقة بين الأردنيين الفلسطينيين والشرق أردنيين، وأثرها على الهوية الوطنية والثقافة الوطنية الأردنية. بما يكشف استراتيجيات الدولة الكولونيالية وما بعد الكولونيالية لتنظيم الهوية الوطنية عن طريق تعریف ذاتها والآخر المقابل لها. وفي الفصل الأخير يدرس المؤلف الخطاب الوطني في الأردن، وأساطيره التاريخية، لا سيما اتجاهاته الملتبسة والإقصائية أو العنصرية ضد الفلسطينيين وغيرهم، وتاريخ العلاقة مع القضية الفلسطينية والنشاط الفدائي الفلسطيني وصراعاته الهوياتية مع النظام الأردني وانعكاسات ذلك على الهوية الأردنية نفسها.
يلخص المؤلف أطروحة الكتاب، ويقول:
"أعاد الاستعمار البريطاني والأمير الهاشمي عبد الله تنظيم شرق الأردن، وهي منطقة اقتطعت من الدولة العثمانية، على مستوى الأرض والسكان، ودفعا بها نحو عصر جديد، هو عصر الدولة الوطنية. ولضمان استمرار هذا النظام الجديد وبقائه، فقد أبدعت العديد من الاستراتيجيات التي أدت إلى فرض هوية جديدة سميت (وطنية) على سكان ينتمون إلى طائفة متنوعة من الهويات. بدأت الهوية الجديدة على هيئة ابتکار قانون، ومن خلال عدد من الاستراتيجيات القانونية والعسكرية، تم تعميم هذه الهوية ما أدى إلى فرض التنميط المعياري والوحدة على سكان متباينين. حتى أن ما بات يمثّل الثقافة الوطنية الأردنية، وهي مجموعة من الممارسات وصفت بأنها "تقليدية" و"وطنية"، كان من منتجات مؤسستي القانون والجيش والتي قمعتا ودمرتا ممارسات ثقافية قائمة واستحدثتا عمليات جديدة أنتجت بدورها ممارسات وهويات ثقافية جديدة. وما لبثت هذه الهوية الوطنية والثقافة الوطنية الجديدتان، أن عُممتا لیس بوصفها منتجات جديدة وهو ما كانتا عليه بالفعل، بل بوصفها مظاهر لجوهر عریق موجود منذ الأزل. فالوطنية الشعبية الأردنية، كنظيراتها ما بعد الكولونيالية في بقية أنحاء آسيا وإفريقيا، أخذت تستدخل الهوية الجديدة و ثقافتها دون الإشارة إلى أصولها القانونية والعسكرية الحديثة. والواقع أن الوطنية الأردنية اليوم لا تقوم على إنكار هذه الأصول التاريخية فحسب، بل تطرح تاريخًا "وطنيًا" يزعم أن الهوية الأردنية كانت موجودة دائما في ثناياه".
يقع الكتاب في 460 صفحة تقريبًا، وقد ترجمه المترجم القدير شكري مجاهد ترجمة ممتازة، وصدر مؤخرًا في جمادى الأولى 1440هـ عن مدارات للأبحاث والنشر.
هذه ليست مراجعة للكتاب بل تلميحات عابرة اعتمدت فيها كثيرًا على تعبيرات المؤلف نفسه
- تأليف جوزيف مسعد
- موضوعات الكتاب العرب الأردن بريطانيا الصراع مع إسرائيل الاستشراق الاستعمار
-
البحث عن نسخة إلكترونية في كتبجي
وجدت خطأ أو نقصًا في بيانات هذا الكتاب؟ يمكنك تحرير هذه الصفحة والمساهمة في تنقيح قاعدة البيانات، كما يمكنك إضافة مقتطف من هذا الكتاب..
شارك هذا الكتاب مع أصحابك على
مراجعات القراء
محب للمعرفة
أعاد الاستعمار البريطاني والأمير الهاشمي عبد الله تنظيم شرق الأردن، وهي منطقة اقتطعت من الدولة العثمانية، على مستوى الأرض والسكان، ودفعا بها نحو عصر جديد، هو عصر الدولة الوطنية. ولضمان استمرار هذا النظام الجديد وبقائه، فقد أبدعت العديد من الاستراتيجيات التي أدت إلى فرض هوية جديدة سميت (وطنية) على سكان ينتمون إلى طائفة متنوعة من الهويات. بدأت الهوية الجديدة على هيئة ابتکار قانون، ومن خلال عدد من الاستراتيجيات القانونية والعسكرية، تم تعميم هذه الهوية ما أدى إلى فرض التنميط المعياري والوحدة على سكان متباينين. حتى أن ما بات يمثّل الثقافة الوطنية الأردنية، وهي مجموعة من الممارسات وصفت بأنها "تقليدية" و"وطنية"، كان من منتجات مؤسستي القانون والجيش والتي قمعتا ودمرتا ممارسات ثقافية قائمة واستحدثتا عمليات جديدة أنتجت بدورها ممارسات وهويات ثقافية جديدة. وما لبثت هذه الهوية الوطنية والثقافة الوطنية الجديدتان، أن عُممتا لیس بوصفها منتجات جديدة وهو ما كانتا عليه بالفعل، بل بوصفها مظاهر لجوهر عریق موجود منذ الأزل. فالوطنية الشعبية الأردنية، كنظيراتها ما بعد الكولونيالية في بقية أنحاء آسيا وإفريقيا، أخذت تستدخل الهوية الجديدة و ثقافتها دون الإشارة إلى أصولها القانونية والعسكرية الحديثة. والواقع أن الوطنية الأردنية اليوم لا تقوم على إنكار هذه الأصول التاريخية فحسب، بل تطرح تاريخًا "وطنيًا" يزعم أن الهوية الأردنية كانت موجودة دائما في ثناياه".
لإضافة المراجعات للكتب يلزمك
تسجيل الدخول